فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{واصبر} أي: أوجد هذه الحقيقة لتصبر على ما أنت عليه من أداء الرسالة {لحكم ربك} أي: المحسن إليك فإنه هو المريد لذلك ولو لم يرده لم يكن شيء منه فهو إحسان منه إليك وتدريب لك وترقية في معارج الحكم، وسبب عن ذلك قوله تعالى مؤكدًا لما يغلب على الطبع البشري في بعض أوقات الامتحان من نوع نسيان {فإنك بأعيننا} أي: بمرأى منا نراك ونحفظك، وجمع لما اقتضته نون العظمة التي هذا سياقها وهي ظاهرة في الجمع، وإشارة إلى أنه محفوظ بالجنود الذين رؤيتهم من رؤيته سبحانه وتعالى {وسبح} ملتبسًا {بحمد ربك} أي: المحسن إليك فأثبت له كل كمال من تنزيهك له عن كل نقص فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يريد إلا ما هو حكمة بالغة {حين تقوم} قال سعيد بن جبير وعطاء: أي قل حين تقوم من مجلسك: سبحانك اللهم وبحمدك فإن كان المجلس خيرًا ازددت إحسانًا وإن كان غير ذلك كان كفارة له.
وروى أبو هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من جلس مجلسًا وكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كان كفارة لما بينهما» أي من الذنوب الصغائر. وقال ابن عباس: معناه صل لله حين تقوم من مقامك وقال الضحاك والربيع: إذا قمت إلى الصلاة فقل سبحانك اللهمّ وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك، وقال الكلبي: هو ذكر الله تعالى باللسان حتى تقوم من الفراش إلى أن تدخل في الصلاة لما روى عاصم بن حميد قال: سألت عائشة بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل فقالت «كان إذا قام كبر عشرًا وحمد الله تعالى عشرًا وهلل عشرًا واستغفر عشرًا، وقال: اللهمّ اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة» وقيل حين تقوم لأمر ما.
{ومن الليل} أي: الذي هو محل السكون والراحة {فسبحه} أي: صلّ له قال مقاتل: يعني صلاة المغرب والعشاء {وإدبار النجوم} أي: صل الركعتين قبل صلاة الفجر وذلك حين تدبر النجوم أي تغيب بضوء الصبح هذا قول أكثر المفسرين وقال الضحاك: هي فريضة صلاة الصبح وهذه الآية نظير قوله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} (الروم).
وقد تقدم الكلام عليها قال الرازي:
قال تعالى هنا: {وإدبار النجوم} وقال في سورة ق: {وأدبار السجود} (ق).
فيحتمل أن يكون المعنى واحدًا والمراد من السجود جمع ساجد والنجوم سجود قال تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} (الرحمن).
وقيل المراد من النجوم نجوم السماء وقيل النجم ما لا ساق له من النبات قال الله تعالى: {ولله يسجد من في السموات والأرض} (الرعد).
الآية أو المراد من النجوم الوظائف وكل وظيفة نجم في اللغة أي إذا فرغت من وظائف الصلاة فقل سبحان الله كما مرّ، وما رواه البيضاوي تبعًا للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة والطور كان حقًا على الله أن يؤمنه من عذابه وأن ينعمه في جنته» حديث موضوع. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء}.
{أم} هذه هي المنقطعة، كما تقدّم فيما قبلها، وكما سيأتي فيما بعدها، أي: بل أخلقوا على هذه الكيفية البديعة، والصنعة العجيبة من غير خالق لهم؟ قال الزجاج: أي: أخلقوا باطلًا لغير شيء لا يحاسبون، ولا يؤمرون، ولا ينهون؟ وجعل {مِنْ} بمعنى اللام.
قال ابن كيسان: أم خلقوا عبثًا، وتركوا سدًى لا يؤمرون، ولا ينهون؟ وقيل المعنى: أم خلقوا من غير أب ولا أمّ، فهم كالجماد لا يفهمون، ولا تقوم عليهم حجة؟ {أَمْ هُمُ الخالقون} أي: بل أيقولون هم الخالقون لأنفسهم، فلا يؤمرون ولا ينهون مع أنهم يقرّون أن الله خالقهم؟ وإذا أقرّوا لزمتهم الحجة {أَمْ خَلَقُواْ السموات والارض} وهم لا يدّعون ذلك، فلزمتهم الحجة، ولهذا أضرب عن هذا، وقال: {بَل لاَّ يُوقِنُونَ} أي: ليسوا على يقين من الأمر، بل يخبطون في ظلمات الشك في وعد الله ووعيده {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ} أي: خزائن أرزاق العباد، وقيل: مفاتيح الرحمة.
قال مقاتل: يقول: أبأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة، فيضعونها حيث شاءوا؟ وكذا قال عكرمة: وقال الكلبي: خزائن المطر والرزق {أَمْ هُمُ المصيطرون} أي: المسلطون الجبارون، قال في الصحاح: المسيطر: المسلط على الشيء، ليشرف عليه، ويتعهد أحواله، ويكتب عمله، وأصله من السطر؛ لأن الكتاب يسطر.
وقال أبو عبيدة: سطرت عليّ: اتخذتني خولًا لك.
قرأ الجمهور: {المصيطرون} بالصاد الخالصة، وقرأ ابن محيصن، وحميد، ومجاهد، وقنبل، وهشام بالسين الخالصة، ورويت هذه القراءة عن حفص، وقرأ خلاد بصاد مشمة زايًا.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} أي: بل أيقولون: إن لهم سلمًا منصوبًا إلى السماء يصعدون به، ويستمعون فيه كلام الملائكة، وما يوحى إليهم، ويصلون به إلى علم الغيب، كما يصل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي، وقوله: {فِيهِ} صفة لسلم، وهي للظرفية على بابها، وقيل: هي بمعنى على، أي: يستمعون عليه كقوله: {وَلأصَلّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النخل} [طه: 71] قاله الأخفش.
وقال أبو عبيدة: يستمعون به.
وقال الزجاج: المعنى: أنهم كجبريل الذي يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم بالوحي، وقيل: هي في محلّ نصب على الحال، أي: صاعدين فيه {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم} إن ادّعى ذلك {بسلطان مُّبِينٍ} أي: بحجة واضحة ظاهرة {أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون} أي: بل أتقولون لله البنات ولكم البنون، سفه سبحانه أحلامهم، وضلل عقولهم ووبخهم، أي: أيضيفون إلى الله البنات وهي أضعف الصنفين، ويجعلون لأنفسهم البنين، وهم أعلاهما، وفيه إشعار بأن من كان هذا رأيه، فهو بمحلّ سافل في الفهم والعقل، فلا يستبعد منه إنكار البعث وجحد التوحيد.
ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: {أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْرًا} أي: بل أتسألهم أجرًا يدفعونه إليك على تبليغ الرسالة {فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} أي: من التزام غرامة تطلبها منهم مثقلون، أي: مجهودون بحملهم ذلك المغرم الثقيل.
قال قتادة: يقول: هل سألت هؤلاء القوم أجرًا فجهدهم، فلا يستطيعون الإسلام؟ {أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أي: بل أيدّعون أن عندهم علم الغيب؟ وهو ما في اللوح المحفوظ فهم يكتبون للناس ما أرادوا من علم الغيب.
قال قتادة: هذا جواب لقولهم: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} يقول الله: أم عندهم الغيب حتى علموا أن محمدًا يموت قبلهم، فهم يكتبون؟ قال ابن قتيبة: معنى يكتبون: يحكمون بما يقولون {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} أي: مكرًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهلكونه بذلك المكر {فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون} أي: الممكور بهم المجزيون بكيدهم، فضرر كيدهم يعود عليهم {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] وقد قتلهم الله في يوم بدر، وأذلهم في غير موطن، ومكر سبحانه بهم {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله والله خَيْرُ الماكرين} [آل عمران: 54] {أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ الله} أي: بل أيدّعون أن لهم إلها غير الله يحفظهم ويرزقهم وينصرهم؟! ثم نزّه سبحانه نفسه عن هذه المقالة الشنعاء فقال: {سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: عن شركهم به، أو عن الذين يجعلونهم شركاء له.
ثم ذكر سبحانه بعض جهالاتهم، فقال: {وَإِن يَرَوْاْ كِسْفًا مّنَ السماء ساقطا يَقولواْ سحاب مَّرْكُومٌ} الكسف جمع كسفة: وهي القطعة من الشيء، وانتصاب ساقطًا على الحال، أو على أنه المفعول الثاني، والمركوم: المجعول بعضه على بعض.
والمعنى: أنهم إن يروا كسفًا من السماء {ساقطًا} عليهم لعذابهم، لم ينتهوا عن كفرهم بل يقولون: هو سحاب متراكم بعضه على بعض، وقد تقدّم اختلاف القراء في {كسفًا}، قال الأخفش: من قرأ {كسفًا}، يعني: بكسر الكاف وسكون السين جعله واحدًا، ومن قرأ {كسفًا}، يعني: بكسر الكاف وفتح السين جعله جمعًا.
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتركهم، فقال: {فَذَرْهُمْ حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ} أي: اتركهم وخلّ عنهم حتى يلاقوا يوم موتهم، أو يوم قتلهم ببدر، أو يوم القيامة.
قرأ الجمهور: {يلاقوا} وقرأ أبو حيوة {يلقوا} وقرأ الجمهور: {يصعقون} على البناء للفاعل، وقرأ ابن عامر، وعاصم على البناء للمفعول، والصعقة: الهلاك على ما تقدّم بيانه {يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} هو بدل من يومهم، أي: لا ينفعهم في ذلك اليوم كيدهم الذي كادوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} أي: ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم مانع، بل هو واقع بهم لا محالة {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} أي: لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي عذابًا في الدنيا دون عذاب يوم القيامة، أي: قبله، وهو قتلهم يوم بدر.
وقال ابن زيد: هو مصائب الدنيا من الأوجاع، والأسقام، والبلايا، وذهاب الأموال والأولاد.
وقال مجاهد: هو الجوع، والجهد سبع سنين، وقيل: عذاب القبر، وقيل: المراد بالعذاب: هو القحط، وبالعذاب الذي يأتي بعده: هو قتلهم يوم بدر {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ما يصيرون إليه من عذاب الله، وما أعدّه لهم في الدنيا والآخرة.
{واصبر لِحُكْمِ رَبّكَ} إلى أن يقع لهم العذاب الذي وعدناهم به {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أي: بمرأى ومنظر منا، وفي حفظنا وحمايتنا، فلا تبال بهم.
قال الزجاج: إنك بحيث نراك ونحفظك، ونرعاك فلا يصلون إليك {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ} أي: نزّه ربك عما لا يليق به متلبسًا بحمد ربك على إنعامه عليك حين تقوم من مجلسك.
قال عطاء، وسعيد بن جبير، وسفيان الثوري، وأبو الأحوص: يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول: سبحان الله وبحمده، أو سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، عند قيامه من كل مجلس يجلسه.
وقال محمد بن كعب، والضحاك، والربيع بن أنس: حين تقوم إلى الصلاة.
قال الضحاك: يقول: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، وفيه نظر؛ لأن التكبير يكون بعد القيام لا حال القيام، ويكون التسبيح بعد التكبير، وهذا غير معنى الآية، فالأوّل أولى.
وقيل المعنى: صلّ لله حين تقوم من منامك، وبه قال أبو الجوزاء، وحسان بن عطية.
وقال الكلبي: واذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة، وهي صلاة الفجر.
{وَمِنَ اليل فَسَبّحْهُ} أمره الله سبحانه أن يسبّحه في بعض الليل.
قال مقاتل: أي: صلّ المغرب والعشاء، وقيل: ركعتي الفجر {وإدبار النجوم} أي: وقت إدبارها من آخر الليل، وقيل: صلاة الفجر، واختاره ابن جرير، وقيل: هو التسبيح في إدبار الصلوات، قرأ الجمهور {إدبار} بكسر الهمزة على أنه مصدر، وقرأ سالم بن أبي الجعد، ومحمد بن السميفع، ويعقوب، والمنهال بن عمر بفتحها على الجمع، أي: أعقاب النجوم وأدبارها: إذا غربت، ودبر الأمر: آخره، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة (قا).
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَمْ هُمُ المصيطرون} قال: المسلطون، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه قال: أم هم المنزلون.
وأخرجا عنه أيضًا {عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} قال: عذاب القبر قبل يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، والنسائي، والحاكم، وابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بآخرة إذا قام من المجلس يقول:
{سبحانك اللَّهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك} فقال رجل: يا رسول الله إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى، قال: «كفارة لما يكون في المجلس» وأخرجه النسائي، والحاكم من حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية، عن رافع بن خديج، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الترمذي، وابن جرير عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من جلس في مجلس، فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلاّ غفر له ما كان في مجلسه ذلك» قال الترمذي: حسن صحيح.
وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ} قال: حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَمِنَ اليل فَسَبّحْهُ} قال: «الركعتان قبل صلاة الصبح» وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وإدبار النجوم} قال: ركعتي الفجر. اهـ.

.قال القاسمي:

سورة الطور:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{وَالطُّورِ} أي: طور سِينين: جبل بِمَدْيَنَ، سمع فيه موسى صلوات الله عليه كلامَ الله تعالى، واندك بنور تجلِّيه تعالى.
{وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} أي: مكتوب، والمراد به القرآن، أو ما يعمّ الكتب المنزلة.
{فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ} متعلق بـ: {مَّسْطُورٍ} أي: وكتاب سطّر في ورق منشور يُقرأ على الناس جهارًا، والرَّق الصحيفة أو الجلد الذي يكتب فيه.
{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} أي: الذي يُعْمَر بكثرة غاشيته، وهو الكعبة المعمورة بالحجاج والعمّار والطائفين والعاكفين والمجاورين. وروي أنه بيت في السماء بحيال الكعبة من الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبدًا. والأول أظهر، لأنه يناسب ما جاء في سورة التين من عطف {الْبَلَدِ الْأَمِينِ} على {طُورِ سِينِينَ} والقرآن يفسر بعضه بعضًا؛ لتشابه آياته وتماثلها كثيرًا، وإن تنوعت بلاغة الأسلوب.
قال المهايميّ: أورده بعد الكتاب الذي هو الوحي؛ لأنه محل أعظم الأعمال المقصودة منه، ولأنه مظهر الوحي ومصدر الرحمة العامة المهداة للعالمين؛ ولأنه أجلّ الآيات وأكبرها، كما دل عليه آية {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] وآيات أخَر.
{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} يعني السماء؛ وجعلها سقفًا لأنها للأرض كسماء البيت الذي هو سقفه.
{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} أي: المملوء، أو الذي يوقد أي: يصير نارًا. كقوله: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6]. قال ابن جرير: والأول أولى، أعني: أن معناه البحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض؛ لأن الأغلب معاني السّجر الإيقاد أو الامتلاء، فإذا كان البحر غير موقد اليوم، ثبتت له الصفة الثانية وهو الامتلاء، لأنه كل وقت ممتلئ، ولا تنس ما قدمناه في أوائل الذاريات من أن هذه الأقسام كلها دلائل أخرجت في صورة الإيمان.
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِن دَافِعٍ} أي: يدفعه عن المكذبين فينقذهم منه إذا وقع.
{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا} أي: تضطرب.
{وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} أي: تسير عن وجه الأرض فتصير هباءً منثورًا.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} أي: بالحق الجاحدين له.